إسطنبول/ إحسان الفقيه/ الأناضول - ظهر ذلك التوجه لـ"ابن سلمان" في قمة الرياض الشهيرة، التي خرج منها ترامب بـ400 مليار دولار، حيث أطلق على إثرها "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف"، الذي أُطلق عليه "اعتدال"، وتبعه اعتقال العديد من الدعاة - تم تحجيم وتقزيم صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى غدت في عهد "ابن سلمان" أثرًا بعد عين، وذلك بعد أن كانت لها صلاحيات واسعة لإقرار ومراقبة تطبيق تعاليم الإسلام في الشارع السعودي "من أسباب رفع البلاء وكشف الوباء: العفو – ما أمكن- عن المخطئين من المسجونين".... كما يبدو من هذا التقييد (ما أمكن)، فإنها دعوة أُطلقت على استحياء للعفو عن المسجونين، وتعود للداعية السعودي، صالح المغامسي، الذي لم يشفع له تماهيه مع النظام والترويج لسياساته وقراراته في الاحتفاظ بمنصبه، على إثر هذه التغريدة. فقد أُقيل المغامسي من إمامة مسجد قباء، أشهر مساجد المملكة بعد الحرمين الشريفين، وبدلًا عنه، تم تعيين أحد الدعاة المشهورين باستغراقهم الكامل في مدح النظام، والتركيز على توقير أولي الأمر وتجنب النصيحة لهم في العلن. المغامسي، الذي قدم اعتذارًا على "تويتر" عن تلك التغريدة، لم يدع محفلًا ولا مناسبة إلا وانحاز فيها لمحمد بن سلمان (ولي العهد)، فبرأه من قتل الصحافي جمال خاشقجي (أكتوبر/ تشرين أول 2018) باستدعاء حادثة قتْل بنيت على اجتهاد خاطئ في الرعيل الأول، وطوعها للإسقاط على فريق الاغتيال.
ودأب آل سعود على اعتقال كل داعية يُظهر قدرًا من المعارضة لسياسات النظام وتوجهاته وممارساته، ومنهم الداعية خالد الراشد، الذي طالب بإغلاق سفارة الدانمارك، احتجاجًا على الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ما أدى إلى محاكمته عام 2005، وصدور حكم بسجنه 15 عامًا. وشهد عهد الملك سلمان وابنه استمرارًا لهذه السياسات ضد أي داعية يتحدث بما لا يريده النظام، ومن أبرزهم الداعية المعروف عبد العزيز الطريفي، الذي كان من أسباب اعتقاله، أنه أبرأ ذمته إلى الله حين طلبت منه زوجة أحد المعتقلين في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج، أن ينصح أهل الحل والعقد في المملكة، وأن يبين حكم الاعتقالات، فبذل الطريفي نصيحته على الملأ إبراءً للذمة، وكان ذلك عام 2016 في الوقت الذي كان ابن سلمان يتولى منصب ولي ولي العهد، ويخطط للإطاحة بولي العهد، محمد بن نايف. "سوف نُدمرهم اليوم، وفورًا"، بذلك بدأ ابن سلمان فترة ولاية العهد، حيث توعد تيار الصحوة، الذي خرج من رحم فكر الإخوان، لكنه يختلف عنهم، وانتشر بقوة في المملكة منذ نهاية السبعينيات (من القرن الماضي) حيث كان أكثر تعاطيًا مع الواقع السياسي من التيار السلفي التقليدي. وحمّل ابن سلمان تيار الصحوة مسؤولية التطرف، رغم أن العديد من رموز هذا التيار انسحبوا من الأطر الحزبية إلى الفضاء العام، وأصبح عملهم يدور في فلك بناء الإنسان المسلم بعيدًا عن المعارك السياسية والقضايا الفكرية الشائكة.
فقد رأى ابن خلدون أن "العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة"، والسبب في ذلك هو "خُلق التوحش الذي يجعلهم أصعب الأمم انقيادًا بعضهم لبعض، وللغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهَبَ خُلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم"، بحسب تعبير ابن خلدون. واستمر آل سعود وآل الشيخ يمثلان هذا التزاوج بين السلطة والدعوة حتى في عهد الدولة السعودية الثالثة، التي أسسها عبد العزيز آل سعود، واستطاع الاستفادة من التيار الديني المتمثل في حركة "إخوان من أطاع الله" في توسيع رقعة نفوذه في الجزيرة وتوحيدها تحت إمارته. كانت نتيجة هذه الثنائية اصطباغ المجتمع السعودي بالصبغة الدينية المحافظة، إذ غلب عليهم التأثر بمنهج ابن عبد الوهاب الإصلاحي، وظل هذا المنهج يمثل أصول كل الاتجاهات الدينية تقريبًا في المملكة، سواء السلفية التقليدية أو تيار الصحوة أو حتى الإخوان والتبليغ، فلها الأصول ذاتها، مع اختلاف في أساليب وآليات الدعوة والفقه الحركي. كانت الدعوة في السعودية بمثابة القوة الناعمة التي أثرت في الشعوب الإسلامية، حيث كان لعلماء السعودية ودعاتها منزلة كبيرة لدى تلك الشعوب، لأنهم في نظر الأمة علماء أرض الحرمين ومهبط الوحي، وكانت المحاضن العلمية تستوعب طلاب العلوم الشرعية من شتى البلدان.
وصل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، اليوم الاثنين، إلى نيوم حيث سيقضي بعض الوقت للراحة والاستجمام. وتكتسي "نيوم" أهمية كبرى بالنسبة للسلطات في الرياض والسعوديين على حد السواء، حيث ستحتضن المدينة الجديدة، المزمع بناؤها على ساحل البحر الأحمر شمال غرب السعودية، مشروع "نيوم" بتمويل يتجاوز نصف تريليون دولار أمريكي. المشروع الذي كُشف عنه في افتتاح مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض وأعلن عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يهدف إلى تحفيز النمو وتحريك الصناعة المحلية، ضمن رؤية المملكة في أفق عام 2030. كما يأتي ذلك في إطار خطة للمملكة تهدف لتنويع مصادر الدخل والابتعاد عن النفط، وكذلك تنويع مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية، حيث يخطط لـ "نيوم" أن تكون أكبر حاضن لاستثمارات الطاقة الشمسية في العالم. وتتضمن خطط المشروع جسرا يقطع البحر الأحمر، يربط بين المدينة الجديدة ومصر وباقي القارة الإفريقية، وقد تم تخصيص ما يقارب 25. 900 كيلومتر مربع لتطوير المنطقة، وستشمل هذه المساحة أجزاء من الأردن ومصر. وكشف ولي العهد السعودي سابقا أنه من المقرر افتتاح المشروع عام 2025. تجدر الإشارة إلى أن المملكة تلقت تأكيدات والتزامات "مطمئنة جدا" من صناديق استثمار عالمية، من بينها الصندوق الروسي، للمشاركة في مشروع مدينة "نيوم"، بحسب ما أفاد به وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مقابلة مع القناة "الإخبارية" السعودية في الـ28 من أكتوبر 2017.